الأردن القابع في براثن تجار المخدرات يسجل جريمة كل 28 دقيقة

لم يعد الأردن مجرد نقطة عبور للمخدرات كما اعتاد المسؤولون على التصريح بذلك قبل سنوات، بل أصبح لهذه الآفة تجارها وزبائنها وضحاياها.

وفي موازاة الحرب التي تقودها البلاد ضد شبكات التهريب من سوريا المجاورة، ثمة حرب أخرى أكثر ضراوة تدور رحاها في مواجهة شبكات الداخل التي تتوسع يوماً بعد آخر.

آخر هذه المواجهات كانت في منطقة الرويشد شرق الأردن، وتم خلالها ضبط 33 مطلوباً بقضايا اتجار وتهريب وضبط ما بحوزتهم من أسلحة ومخدرات، أربعة منهم من المطلوبين الخطرين والرئيسين، وممن يرتبطون بعصابات إقليمية تنشط عبر الحدود لتهريب المخدرات والسلاح.

أرقام مقلقة

الجهات الأردنية المختصة كشفت عن أرقام رسمية مقلقة، كان أبرزها أن ثمة جريمة مخدرات واحدة كل 28 دقيقة في الأردن، بعدما تضاعف حجم هذه الجريمة في السنوات الخمس الأخيرة بنحو ثلاث مرات، ووفقاً لإحصاءات صادرة عن مديرية الأمن العام سجلت نحو 151 ألف جريمة مخدرات في العقد الماضي.

وشهدت السنوات الخمس الأخيرة 95 ألفاً و411 جريمة، مما يفسر تصعيد السلطات الأردنية ضد مروجي المخدرات والمتاجرين بها.

ويتضح من خلال الأرقام ارتفاع جرائم المخدرات منذ عام 2013 سواء بقصد التجارة أو الحيازة والتعاطي، وبلغ عدد جرائم الاتجار بالمخدرات بين عامي 2018 و2022 نحو 20 ألفاً نجم عنها 75 ألفاً و130 جريمة حيازة وتعاط.

وكان لافتاً ارتكاب فئة الأحداث بين عامي 2021 و2022 جرائم مخدرات بلغ عددها 462 جريمة، من بينها 151 جريمة اتجار، و311 جريمة حيازة وتعاط.

وأوضحت التقارير الرسمية أن المعدل الزمني لارتكاب جرائم المخدرات ارتفع خلال السنوات الست الأخيرة من وقوع جريمة مخدرات كل 37 دقيقة في الأردن إلى 26 دقيقة، وهو مؤشر خطر على تطور هذه الجرائم التي خلفت آثارها قصصاً مروعة، ففي نهاية عام 2016 أقدم شاب مدمن على قطع رأس والدته الخمسينية والتمثيل بجثتها.

ويقول مراقبون إن المهربين والتجار يسعون إلى تحقيق الثراء والغنى على حساب شريحة الشباب، الذين يلجأون للتعاطي كوسيلة للهرب من البطالة وسوء التنشئة الأسرية.

قضايا نوعية

ومن بين أبرز قضايا المخدرات النوعية التي كشف عنها داخل الأردن دهم أكبر مصنع لتصنيع المخدرات في البلاد، بعد أن ظل يعمل بالخفاء لمدة ثماني سنوات من 11 شخصاً.

وفي العام الماضي تعاملت إدارة مكافحة المخدرات مع مئات القضايا ألقي القبض خلالها على 37 شخصاً متهماً كان أبرزها في مدينة العقبة، إذ جرى دهم تاجر للمخدرات داخل خيمة بناها لتخزين وبيع المخدرات في إحدى المناطق الخالية من السكان، فضلاً عن إلقاء القبض على أخطر تجار ومهربي المخدرات في لواء الرمثا شمال الأردن وأفراد من عائلته.

وفي يوليو (تموز) 2023، أعلن إلقاء القبض على نحو 1100 تاجر ومروج للمخدرات وضبط أكثر من 190 كيلوغراماً من المواد المخدرة، وقرابة مليون حبة من الحبوب المخدرة.

ميليشيات تهريب

وخلال الساعات الماضية ردت الحكومة الأردنية بالنفي على إشاعات تتحدث عن وجود شبكة من السياسيين النافذين ورجال الدولة البارزين المتورطين بتهريب المخدرات مع الإشارة إلى وجود صلات لهم بشبكات التهريب من سوريا، إلا أن الوزير السابق سميح المعايطة يعتقد أن ما يجري منذ سنوات على حدود الأردن الشمالية التي يصفها بالخاصرة الضعيفة من بين أهدافه صناعة ميليشيات أردنية قوامها تجار المخدرات الذين يقومون على استقبال المخدرات في الأردن وتوزيعها في البلاد والمنطقة.

وربط المعايطة بين الأسلحة التي كانت بحوزة شبكات التهريب من سوريا وما ضبط من أسلحة مع رجال العصابة الأردنيين من قاذفات وصواريخ وسيارات مفخخة، مضيفاً “المطلوب تشكيل ميليشيات تهريب عالية التجهيز لتحقيق القدرة على إنجاز عمليات التهريب إلى الأردن ومواجهة الجيش، إضافة إلى القدرة على نقلها من الأردن إلى دول الجوار العربية في الخليج”.

شركاء الداخل

ودعا قانونيون إلى ضرورة تعديل كثير من النصوص، لافتين إلى أنه على رغم أن قانون المخدرات يعاقب بالإعدام كل من يقوم بتهريب المخدرات بالاتصال مع العصابات الدولية، إلا أن بعض المواد الخاصة بالترويج تتسم بالتساهل في بعض الحالات.

بدوره يشير اللواء عبدالله الحسنات، إلى وجود عدد من أوكار المهربين داخل الأردن التي تخطط باستمرار لإدخال كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة، وأنه آن أوان التعامل أمنياً مع كل المتورطين في عمليات وشبكات التهريب الخارجية والمتعاونين معها داخل البلاد، بعدما كشفت التحقيقات المرتبطة بها عن أسماء لمتورطين ومتعاونين مع شبكات التهريب.

ويفسر آخرون سبب استهداف الأردن بتهريب المخدرات على اعتبار أنه يقع في موقع استراتيجي وحيوي يجعله أكثر عرضة لأخطار هذه الآفة، كما أنه يقع وسط إقليم ملتهب.

ويؤكد الكاتب والمحلل ماهر أبو طير أن الميليشيات المسلحة في الداخل الأردني، شريكة مع نظيرتها الموجودة في عمق الأراضي السورية، والهدف خلخلة بنية الداخل الأردني وإغراقه بالمخدرات والسلاح.

ويصف أبو طير الحملة على تجار ومهربي المخدرات بأنها عمليات تطهير تظهر عدم الانشغال فقط بحرب الحدود، لأن الميليشيات الخارجية تعمل مع شركاء محليين، ولولا وجود عملاء وشبكات محلية ووكلاء لما استطاعت العمل بكل هذا الإصرار، موضحاً أن التحقيقات كشفت عن خريطة متكاملة من المعلومات حول المخازن في الأردن، والوكلاء الكبار والصغار بما يشير إلى أن الأمر لم يعد مجرد تهريب بل تعداه إلى أجندات سياسية تريد إضعاف البلاد وتحويلها إلى دولة منهارة تغرق في المخدرات والأسلحة.

المصدر: اندبندنت عربية