المحتجون الإيرانيون يؤكدون عزمهم على مواصلة «الانتفاضة»

أكد المحتجّون الإيرانيون عزمهم على مواصلة انتفاضة «المرأة، الحرية، الحياة»، وشهدت طهران ومدن عدة مسيرات للاحتفاء بمضيّ 100 يوم على أحدث احتجاجات تعصف بالبلاد، وتمحورت الشعارات مرة أخرى حول المسؤول الأول في السلطة المرشد علي خامنئي.
ونزل المحتجّون في عدة أحياء في وسط وغرب العاصمة طهران رغم البرد وسقوط الثلوج والأمطار، مرددين شعار «الموت للديكتاتور»، و«لن تصبح هذه البلاد مزدهرة ما لم نضع الملالي في الأكفان»، و«الموت لخامنئي القاتل»، و«الموت للنظام القاتل للأطفال»، و«هذا عام الدم سيسقط خامنئي»، و«زعيمنا خادم للصين وروسيا»، وفق ما أظهرته تسجيلات الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي.
وردَّد المحتجون شعارات مماثلة، خلال مسيرات ليلية مساء السبت، شهدتها كبرى المدن مثل مشهد وأصفهان وسنندج وكرج وبندر عباس، والأحواز. وأظهر تسجيلات فيديو استخدام الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين في ميناء بندر عباس؛ مركز محافظة هرمزغان.
والأحد، استخدمت قوات عسكرية الغاز المسيل للدموع وسمع إطلاق النار في تسجيلات فيديو، انتشرت من مدينة بوكان الكردية شمال غربي إيران. وقالت شبكة حقوق الإنسان في كردستان إن «أصحاب المحالّ والتجار بدأوا إضراباً عاماً، الأحد، بمناسبة مرور أربعين يوماً على سقوط قتلى في المدينة».
وفي جامعة شريف الصناعية بطهران، شارك عشرات الطلبة في اعتصام؛ احتجاجاً على اعتقال أحد الأساتذة في قسم الكمبيوتر على يد جهاز الاستخبارات الإيرانية.
وانتشرت أغنية من طلاب كلية الموسيقي في جامعة طهران، بمناسبة مرور 100 يوم على الاحتجاجات، يرددون فيها كلمات أغنية ثورية للمغني والشاعر المعارض فريدون فرخزاد، الشقيق الأصغر للشاعرة فروغ فرخزاد، الذي عُثر على جثته في شقته بمدينة بون الألمانية في أغسطس 1992.
وتفجرت الاحتجاجات بعد وفاة مهسا أميني (22 عاماً)، وهي كردية إيرانية، في 16 سبتمبر (أيلول) بعد اعتقالها بدعوى سوء الحجاب.
وشارك في الاحتجاجات إيرانيون من مختلف المشارب، وطالبوا بسقوط النظام الحاكم، وشكّلت هذه الاحتجاجات أحد أكبر التحديات للجمهورية الإسلامية التي يحكمها الشيعة منذ ثورة 1979. وتتهم إيران القوى الغربية بإثارة المسيرات الاحتجاجية التي واجهتها قوات الأمن بأعمال عنف دامية.
– اعتقال مزدوجي الجنسية
وذكر بيان لـ«الحرس الثوري» الإيراني، أمس، أن جهاز استخباراته اعتقل 7 أشخاص؛ بينهم مواطنون من مزدوجي الجنسية على صلة بالمملكة المتحدة، على خلفية الاحتجاجات، وفق بيان نقلته «رويترز» عن وسائل الإعلام الرسمية.
وجاء، في البيان، أن «أجهزة المخابرات التابعة للحرس الثوري الإيراني اعتقلت 7 قادة رئيسيين للاحتجاجات الأخيرة على صلة بالمملكة المتحدة، بينهم أشخاص من مزدوجي الجنسية كانوا يحاولون مغادرة البلاد».
في شأن متصل، أعلن جهاز الاستخبارات، التابع للشرطة الإيرانية، اعتقال 4 أشخاص، ووصفتهم وسائل الإعلام الحكومية بـ«قادة الشغب في ميدان انقلاب (الثورة)». والأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية اعتقال 39 شخصاً قالت إنهم من «أعضاء شبكة تخريب في حي أكباتان (غرب طهران)».
والأسبوع الماضي، ذكر تحليل نشرته وكالة «رويترز» أن سير حركة الاحتجاج بلا قيادة يمثل تحدياً لفرض نظام سياسي جديد. وأظهرت الاحتجاجات أن «المؤسسة معرَّضة لخطر الغضب الشعبي، مما أثار مخاوف بين كبار القادة من أن زلة قدم قد تعني مزيداً من المشكلات في المستقبل، حتى لو هدأت الاحتجاجات الحالية». ووفقاً للتحليل، ليس هناك ما يضمن أن القوة الأكبر ستُنهي الاحتجاجات؛ إذ إن حملة القمع العنيفة لم تُسفر حتى الآن سوى عن مزيد من الاحتجاجات.
– سجال حول الإعدامات
وجّه رضا تقوي، مستشار الرئيس الإيراني في شؤون رجال الدين، لوماً إلى المقرَّبين من النظام، بسبب صمتهم خلال الاحتجاجات.
وقال تقوي إن «ضربة صمت الخواص ليست أقل من مثيري الشغب». وقال، في وصف هؤلاء: «من وصلوا إلى مناصب كبيرة ويقومون بأدوار اجتماعية ويؤثرون على مجموعات». وأشار تحديداً إلى «الفنانين ومراسلي الفعاليات، والشعراء والعلماء وأساتذة الجامعات، والمشاهير والأبطال الرياضيين، والفنانين والوزراء والمحامين، والمسؤولين». وقال إنها «القوات التي جلست على مائدة النظام وتقدمت»، موجهاً اتهامات إلى «الأعداء» بالسعي وراء التحريض على «العصيان المدني»، و«تشويه الشخصيات»، و«تقليل مكانة النظام».
وكانت «جمعية مدرسي حوزة قم العلمية»، من الهيئات الدينية البارزة في البلاد، قد أعلنت تأييدها السلطة القضائية التي تعرضت لانتقادات دولية وداخلية بعد إعدام محتجّين، خلال الأسابيع الماضية، ووسط تحذيرات من تسارع عجلة الإعدام بحق محتجّين آخرين مهددين بالإعدام.
ويتعارض بيان الجمعية مع بيان سابق أصدرته مجموعة من الفقهاء ومدرسي الحوزة في قم، قبل نحو أسبوعين، يحتجّ على تنفيذ أحكام الإعدام ويقلل من تأثيره على استتباب الأمن وتقليل التوتر الذي يهز البلاد.
وانتقد الكاتب الإصلاحي عبادس عبدي، في مقال نشرته صحيفة «هم ميهن» الإصلاحية، أمس، البيان الداعم للإعدامات، الذي طالب أيضاً بفرض عقوبات بتر الأصابع والأيدي والأرجل.
ودافع عضو اللجنة القضائية والقانونية في البرلمان النائب المتشدد محمد تقي نقدعلي عن تنفيذ أحكام الإعدام. وقال: «لا مفر من حكم شرعي وقانوني في إعدام شاب مخدوع، ولكنه ارتكب جريمة». وأضاف: «لكننا غير راضين بأي شكل من الأشكال ولا نعتبره مباركاً».
وقال النائب: «الحجاب قانون البلاد، ومخالفته مخالفة للقانون». وأضاف: «لا مبرر لخرق القانون، أي رئيس يتقاضى راتباً من النظام ويفشل في إدارة شركة أو المؤسسة وأهمل الأعراف، يجب إقالته». واتهم بذلك الجهاز القضائي و32 جهازاً إيرانياً في الإهمال بفرض قانون الحجاب.
وحذّر مدير منظمة حقوق الإنسان في إيران محمود أميري مقدم من أن يستغل المسؤولون الإيرانيون عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة للمضي قدماً في تنفيذ أحكام إعدام بحق المحتجّين. وفي تغريدة على «تويتر» كتب أميري مقدم: «يمكن أن يؤدي احتجاج المزيد من الإيرانيين داخل وخارج البلاد إلى زيادة التكلفة السياسية لعمليات الإعدام».
وأعلنت محكمة الاستئناف الإيرانية المصادقة على حكم إعدام المحتج محمد قبادلو، الذي يواجه تهماً بدهس عناصر من الشرطة ومقتل أحدهم. وأكدت، في الوقت نفسه، قبولها إعادة محاكمة مغنِّي الراب الكردي سامان (ياسين) صيدي، الذي يواجه اتهامات تصل عقوبتها للإعدام؛ على خلفية اتهامه بمحاولة قتل أفراد من قوات الأمن.
– مئات الطلاب في السجون
وقالت وكالة نشطاء حقوق الإنسان في إيران «هرانا» إن عدد القتلى في صفوف المحتجّين وصل إلى 506 أشخاص حتى يوم السبت، من بينهم 69 طفلاً. وأشارت إلى مقتل 66 عنصراً من قوات الأمن. وتقدِّر الوكالة عدد المعتقلين بـ18516 شخصاً، من بينهم 664 طالباً جامعياً.
وفي إحصائية قريبة من «هرانا»، أكد الاتحاد الدولي للأكاديميين الإيرانيين اعتقال 650 طالباً، مشدداً على أنهم «اختُطفوا من قِبل قوات الأمن والاستخبارات خلال الـ100 يوم الأولى من الاحتجاجات».
ووجّه المركز خطاباً مفتوحاً إلى رؤساء الجامعات بتحديد هوية مرتكبي جريمة قتل الطلاب ومتابعة أوضاع الطلاب المسجونين.
وقال الاتحاد إن «21 طالباً حُكم عليهم بالسجن 5 سنوات؛ لارتكابهم جريمة التظاهر السلمي، وحُكم على بعضهم بالجَلد»، مشدداً على أن ما يحدث للطلاب «مصدرُ عارٍ على وزارة العلوم». وأضاف: «من المؤسف أن الفساد الممنهج تغلغل إلى المجتمع العلمي الإيراني لدرجة اختارت بعض الهيئات العلمية الصمت، بدلاً من تأييد الطلاب… لا شك أن في زمن الظلم، هناك حصة للطلاب لا يستهان بها في رفع علم الحرية والديموقراطية».
وطالب الاتحاد رؤساء الجامعات بتقديم استقالتهم نظراً «لعدم امتلاك القدرة اللازمة في دعم الطلاب»، محذراً من أن «المسؤولين الذين لا يؤدون واجباتهم بشكل صحيح، اليوم، سيخضعون قريباً للمساءلة أمام القانون العادل وذاكرة المجتمع».
في هذه الأثناء بدأت فريدة مرادخاني، ابنة شقيقة المرشد الإيراني، إضراباً عن الطعام في سجن قرتشك بمدينة ورامين غرب طهران.
وكتب شقيقها محمود مرادخاني، الذي يقيم بباريس، في تغريدة على «تويتر»، أنها «بدأت إضراباً عن الطعام احتجاجاً على ظروف احتجازها وعدم انتقالها إلى سجن إيفين».
وتقضي مرادخاني حكماً بالسجن 15 عاماً، بعدما أدينت في محكمة تنظر في اتهامات رجال الدين وأفراد عائلاتهم. واعتقلت مرادخاني، الشهر الماضي، بعدما وجّهت انتقادات لاذعة إلى خامنئي.
وكانت وزارة الاستخبارات الإيرانية قد اعتقلت فريدة، هذا العام، ثم أفرجت عنها بكفالة فيما بعد. مرادخاني هي ابنة بدري أخت خامنئي التي اختلفت مع عائلتها في الثمانينيات وهربت إلى العراق في ذروة الحرب بين البلدين. ووالدها علي مرادخاني، المعروف باسم علي طهراني؛ رجل دين بارز، وكان متزوجاً من شقيقة خامنئي، وتُوفي، الشهر الماضي، عن عمر 96 عاماً في طهران، بعد أن قضى أعواماً في عزلة بسبب موقفه المعارض للجمهورية الإسلامية، وفقاً لما ذكره موقعه الإلكتروني على الإنترنت.
– إشادات
كتب ولي عهد إيران السابق، نجل الشاه رضا بهلوي، تغريدة على «تويتر» أشاد فيها بـ«الصمود» و«التآزر» بين الإيرانيين. وقال: «100 يوم من الشجاعة، 100 يوم من الصمود، 100 يوم من التضامن، من أجل إيران حرة ومزدهرة». واستخدم شعار الإيرانيين في السنوات الأخيرة، قائلاً: «سوف نسترجع إيران». وأضاف: «نبنيها من جديد».
وأشاد قائد المنتخب الإيراني السابق علي كريمي بالمحتجّين الذين «وقفوا لمدة مائة يوم بأيد فارغة أمام نظام قاتل للأطفال والقوى القمعية»، وفق ما كتبه في تغريدته على «تويتر».
وأثار كريمي، الذي يُعدّ من بين الرياضيين الأكثر شعبية في إيران، غضب السلطات بسبب مواقفه الداعمة للاحتجاجات. والتقى كريمي، الأسبوع الماضي، الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير.
وكتبت غوهر عشقي، والدة المدوِّن ستار بهشتي الذي تُوفي في ظروف غامضة أثناء اعتقاله قبل 10 سنوات: «بلغنا 100 يوم من الاحتجاجات، وقف الناس العُزّل مقابل القوات المدججة بالأسلحة لخامنئي، وسلبوا النوم من الديكتاتور».
وكتب عمار ملكي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيلبوزخ الهولندية، في تغريدة على «تويتر»، أنه «في الأيام الـ100 الماضية، أحدثت انتفاضة المرأة والحياة والحرية تغييرات في إيران قال الإصلاحيون إنها قد يمكن بلوغها في الـ100 عام المقبلة». وأضاف: «لقد وقف العالم لتحية الحراك، لقد انتصرت ثورة إيران في أذهان الناس، وليس بعيداً اليوم الذي يحتفل بانتصارها في الشوارع».

المصدر: الشرق الأوسط