تخوف من تدهور الأوضاع في الأردن مع طول أمد حرب القطاع

فرضت الحرب في غزة تداعياتها بقوة على الساحة الأردنية، التي يقول مراقبون، إنها أحد أكثر المتضررين في حال طال أمدها.

فخلال الساعات الماضية، تلبدت الأجواء بمؤشرات احتقان داخلي بعيد إطلاق حملة اعتقالات في حق نشطاء نظموا تحركات في الشارع لمناصرة غزة.

وفيما صعد الأردن الرسمي من لهجته مجدداً حيال إسرائيل، مؤكداً أن الموقف الدولي تجاهها تغير بشكل كبير، وافق مجلس النواب على مراجعة الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، في سابقة هي الأولى من نوعها.

اعتقالات ومخطط خطر

يؤكد وزير الإعلام والاتصال الحكومي مهند مبيضين أن الأشخاص والمتظاهرين الذين أوقفتهم الأجهزة الأمنية الأردنية لديهم مخططات خطرة وانعكاسات على الأمن الوطني قد تضر بالحالة التضامنية الشعبية.

وتحدث مبيضين عن نحو 25 موقوفاً نتيجة تجاوزهم القانون والاعتداء على أفراد من الأمن العام والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، لكن محامين يقدرون أن عدد النشطاء والمتظاهرين الذين تم اعتقالهم منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي يقارب الـ400 شخص.

وجدد مبيضين موقف الحكومة بحماية حرية التعبير وفق القانون، مبيناً أن نحو مليون أردني خرجوا للتعبير عن مواقفهم الوطنية والتنديد بالحرب على غزة من خلال مسيرات ووقفات في المحافظات كافة.

ولم يوضح مبيضين حقيقة المخطط الكبير الذي اعتقل على أساسه الناشطون، إلا أن مصادر حزبية تؤكد لـ”اندبندنت عربية” أن “الأمر مرتبط بمحاولة ترتيب تظاهرة باتجاه الحدود الأردنية مع فلسطين، وهو ما اعتبرته السلطات الأمنية مراراً خطاً أحمر لا ينبغي تجاوزه”.

لكن حزب “جبهة العمل الإسلامي” التي ينتمي إليها معظم النشطاء المعتقلين قالت، إن ناشطيها اعتقلوا من أمام بوابة الجامعة الأردنية واُقتيد آخرون من منازلهم وأماكن عملهم بسبب مناصرتهم غزة.

واستنكر الحزب حملة الاعتقالات واصفاً إياها بـ”التعسفية” والاعتداء على الحريات العامة وحرية التعبير، كما أنها تناقض الموقف الرسمي الأردني.

وقال مراقبون، إن “التظاهرات المناصرة لغزة فقدت زخمها في الأيام الأخيرة بسبب الاعتقالات، فضلاً عن الموقف الرسمي الذي تحسن وأصبح أكثر صلابة في مواجهة إسرائيل”.

مراجعة الاتفاقات مع إسرائيل

وفي سابقة هي الأولى من نوعها، وافق مجلس النواب الأردني بالإجماع على مراجعة الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، وتم تكليف اللجنة القانونية في المجلس بهذه المهمة على أن تقوم لاحقاً بطلب تقديم التوصيات الضرورية للحكومة.

يؤكد مصدر برلماني أن المجلس لم يكن ليقوم بهذه الخطوة لولا وجود ضوء أخضر حكومي رسمي، لكن في الوقت ذاته يعتقد أن المسألة برمتها مجرد محاولة لتوجيه رسالة لإسرائيل، ولا تعني بالضرورة الذهاب بعيداً في مسألة إلغاء هذه الاتفاقات، بخاصة أن توصيات مجلس النواب بهذا الخصوص غير ملزمة للحكومة.

من جهته قال النائب في البرلمان الأردني ينال فريحات لـ”اندبندنت عربية”، إنه يأمل في أن تأخذ الحكومة موقفاً حاسماً ورافضاً من اتفاقيتي “الماء والكهرباء” والغاز وجميع الاتفاقات مع إسرائيل، وألا يكون التلويح بمراجعتها مجرد خطوة لامتصاص الغضب النيابي والشعبي.

الموقف الرسمي يتغير

وتقاطع هذا الموقف من مجلس النواب الأردني مع تصريحات جديدة لوزير الخارجية أيمن الصفدي للتلفزيون الرسمي، اعتبر البعض أنها قد تشير إلى تبدل كبير في الموقف الأردني، حيث قال الصفدي إن “حماس لم توجد الصراع، بل الصراع هو الذي أوجدها”.

وأضاف أن “حماس انبثقت من بيئة يسودها القهر والحرمان، وانتهاك الحقوق واستمرار الاحتلال”، وهي تصريحات دفعت المراقبين إلى القول، إن الأردن قد يغير خريطة تحالفاته في الأراضي الفلسطينية بناء على نتيجة المعركة هناك بعد أن ظل لعقود متمسكاً بالعلاقة مع السلطة الفلسطينية.

هذه الشكوك حول فتح قنوات اتصال مع حركة “حماس” رد عليها الصفدي بالقول “نحن دولة نعرف كيف نبقي على اتصالاتنا، ونعرف كيف نصل إلى تحقيق هدفنا، وهو إنهاء هذا الصراع على أساس تلبية حقوق الشعب الفلسطيني كاملة، ونتصرف وفق ذلك”.

هل نحن جاهزون؟

من جهته يتساءل المحلل السياسي حسين الرواشدة، إن كان الأردنيون جاهزون لمواجهة استحقاقات الحرب على غزة، وما بعدها.

ويطالب الرواشدة الحكومة الأردنية بالتفكير بالسيناريوهات كافة، و”أخذ ما يلزم من احتياطات واستعدادات لمواجهة القادم المجهول، كملف التهجير القسري الذي اعتبرته بمثابة إعلان حرب، ووضع المعاهدة مع إسرائيل على الطاولة”.

ويشير الرواشدة في السياق ذاته، إلى كلفة سياسية متوقعة للمواقف الأردنية، متسائلاً إن كانت هناك استدارة سياسية على صعيد علاقاته في الإقليم، خصوصاً بعد الرفض الرسمي لأي مشاركة أمنية في سياق إدارة ما بعد الحرب في غزة.

في المقابل، يشير المحلل والكاتب ماهر أبو طير إلى تيارين يتنازعان الموقف في الأردن حيال ما يحدث في غزة، أحدهما يبالغ في رد الفعل المطلوب، وآخر يطالب بالعقلانية.

يضيف أبو طير “هنالك من لا يصدق حدة موقف الأردن ويعتقد أن لغة الموقف الأردني ضد إسرائيل قد تكون وظيفية تكتيكية من أجل عبور المرحلة واستيعاب غضب الشارع الأردني”.

ويطالب أبو طير بالتعامل مع حرب غزة، “باعتبارها حرباً على حدود الأردن بما فيها من أخطار استراتيجية تهدد الاستقرار الداخلي، وضرورة إعادة خدمة الجيش، والجيش الشعبي، وتسليح الأردنيين، ووضع احتمالات قوية لسيناريو الاعتداء على الأردن في أي وقت”.

المصدر: اندبندنت عربية