منع وصول المساعدات يضع السودان في مواجهة مجاعة كارثية

اعتبر متطوعون يديرون مطبخا جماعيا لإطعام النازحين في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أن التحذير الأممي من أن السودان يواجه “الجوع الكارثي” أصدق التعبيرات التي تصف قساوة الوضع الراهن.

وقال النشطاء إنهم لم يتمكنوا منذ أشهر من جمع الأموال أو الحصول على مواد غذائية. لقد تُركوا ليروا ببساطة مخزونهم وهو يتضاءل. فيما قال أحدهم في مقابلة مع DW: “في نهاية المطاف، نفد الطعام في منتصف شهر فبراير/ شباط”. وأضاف “لم نتمكن من إطعام أي شخص في مطبخنا المشترك منذ ذلك الحين. وغَلقُ هذا المطبخ الجماعي يعني أن العديد من الأسر السودانية في المنطقة لن تتمكن من الحصول على وجبة غذائية واحدة في اليوم”.
يقدم المتطوعون الطعام للنازحين في الفاشر، لكنهم يأملون في استئناف التمويليقدم المتطوعون الطعام للنازحين في الفاشر، لكنهم يأملون في استئناف التمويل

وقال المتطوعون إنه منذ اندلاع الصراع في السودان قبل عام، فإن المطبخ الجماعي وغيره من المبادرات الخيرية بقيادة منظمات المجتمع المدني أو “غرف الاستجابة للطوارئ”، ظلت بمثابة شريان الحياة الرئيسي للعديد من السكان والنازحين.

وأشار تقرير أممي إلى أن الجمعيات المنضوية تحت راية “غرف الاستجابة للطوارئ” وفرت مساعدات لأكثر من أربعة ملايين مدني بداية من وجبات الطعام والمياه والدواء وحتى المساعدة في إصلاح خطوط الكهرباء والمساهمة في جهود الإخلاء.

وفي سياق متصل، قالت ميشيل دارسي، مديرة منظمة “المساعدات الشعبية” النرويجية في السودان، إن بعض المساعدات الإنسانية جرى تقديمها من قبل “غرف الاستجابة للطوارئ بشكل حصري”.

وفي مقابلة مع DW، أضافت: “يخدم هؤلاء المتطوعون مجتمعهم بروح تقديم يد العون وفي إطار التقاليد الثقافية السودانية، لكن وبغض النظر عن مدى نبل هذه الجهود، فإنها ليست كافية”.

آلاف القتلى والملايين يواجهون الجوع والتشرد

يشار إلى أنه بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، جرى تشكيل مجلس عسكري بقيادة البرهان للإشراف على عملية الانتقال الديمقراطي في السودان، فيما كان حميدتي نائبه.

لكن في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021، قام البرهان بانقلاب وأطاح بالحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وشكل البرهان مجلس سيادة برئاسته رغم الاحتجاجات الرافضة للعودة إلى الحكم العسكري والمطالبة بالعودة إلى التحول الديمقراطي في البلاد.

ومنذ أبريل / نيسان العام الماضي، تصاعدت التوترات بين البرهان وحميدتي على وقع خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، فيما تسبب القتال المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع في تحويل السودان إلى أكبر أزمة إنسانية في العالم.

ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن أكثر من 18 مليون شخص في السودان – ثلث تعداد السكان – يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد فيما قالت ممثلة “اليونيسف” في السودان، مانديب أوبراين، في مارس / آذار الماضي إن قرابة 14 مليون طفل باتوا في حاجة إلى مساعدات إنسانية.

من جانبه، قال فرع السودان بـ”مجموعة التغذية العالمية” (The Global Nutrition Cluster)، وهي شبكة من المنظمات غير الحكومية المعنية بالتغذية، إن أكثر من 2.9 مليون طفل في السودان يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو يمثل أخطر أشكال الجوع وأكثرها فتكا مع توقعات بأن أكثر من 222 ألف طفل سيعانون من سوء التغذية الحاد إذا لم تتم تلبية الاحتياجات الغذائية والصحية فضلا عن أن أكثر من سبعة آلاف أم حديثة الولادة في خطر الموت.

الجدير بالذكر أن السودان يواجه أسوأ أزمة نزوح في العالم مع إجبار حوالي 8 ملايين شخص على النزوح، بحسب إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة.

ورغم تفاقم الوضع الإنساني الراهن، فإن أطراف الصراع ترفض السماح بدخول المساعدات الإنسانية الطارئة للملايين من السكان الذين باتوا في أمس الحاجة إلى هذه المساعدات التي قد تعينهم على تحمل وطأة النزوح.

وفي إفادة أمام مجلس الأمن الدولي، قالت إيديم ووسورنو، مديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، : “يؤسفني إبلاغكم أنه لم يتم إحراز تقدم كبير على الأرض”.

التجويع…سلاح

من جانبها، قالت هاجر علي، الباحثة في “المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية”، إن “هناك جوانب من شأنها عرقلة إنشاء ممرات للمساعدات الإنسانية أو إنشاء مناطق منزوعة السلاح”.

وفي مقابلة مع DW، أضافت: “تحتل قوات الدعم السريع بعض الشوارع أو نقاط تفتيش محددة بهدف منع تدفق الإمدادات إلى قوات الجيش، فيما يتزامن ذلك مع سيطرتها على خطوط إمداد مدنية. وتنهب عناصر الدعم السريع بانتظام كل ما تصل إليه أيديهم ثم يقومون ببيعه بدلا من توزيعه على النازحين والمدنيين”.

وفي المقابل، حسبما قالت، فإن قوات الجيش تمنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، محذرة: “إذا لم يحدث أي تغيير، فإن الوضع سيزداد سوءا في المستقبل”.

وحذرت من أن “التجويع بات أحد تكتيكات الحرب الخبيثة التي تقوم بها قوات الدعم السريع مثل ما يحدث بولاية الجزيرة التي تنتج ما يقرب من نصف إجمالي إنتاج القمح في السودان”.

وأضافت هاجر علي أنه “عندما سيطرت قوات الدعم السريع على الولاية قاموا بإحراق المحاصيل ونهب المخازن بل وسرقة الآلات الزراعية حتى البذور. لقد قامت قوات الدعم السريع بابتزاز المزارعين وإجبارهم على خيارين إماّ الانضمام إليهم أو الموت”.

الاقتصاد في غيبوبة

من جانبه، يخشى الخبير في الشأن السوداني، حامد خلف الله، من أن الوضع في مناطق مثل ولاية الجزيرة وشمال دارفور والخرطوم ربما بات أكثر سوءا مما تصفه المنظمات الأممية.

وفي مقابلة مع DW، قال إن “مواطني المناطق الأكثر تضررا باتوا غير قادرين على الإبلاغ عن الحوادث أو تقديم أي أدلة بسبب المخاطر الأمنية وانقطاع الإنترنت”.

الجدير بالذكر أنه منذ الشهر الماضي بات الوصول إلى الإنترنت في جميع أنحاء السودان محدودا أو مقطوعا، فيما حذر حامد من تداعيات ذلك، قائلا: “هذا يعني أن سكان البلاد غير قادرين على تلقي الأموال من عائلاتهم أو من الخارج عبر التحويلات المالية التي تتم عن طريق الهواتف الذكية”.

وشدد على أن جميع المعاملات الاقتصادية باتت في السودان غير نقدية، قائلا: “لا أحد يدفع نقدا حيث أصبح الجميع يعتمد على المعاملات التي تتم عبر الإنترنت فيما يتعلق بشراء أو بيع البضائع”.

بصيص أمل في نهاية النفق

وفيما يتعلق بالمتطوعين والنشطاء، فإنهم يعلقون الكثير من الآمال على مؤتمر المانحين الذي سيُعقد في منتصف إبريل/نيسان في باريس خاصة وأن احتياجات البلاد كبيرة، إذ جرى تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة لهذا العام بنسبة 4 بالمئة فقط.

وتقدر الخطة بقرابة 2.7 مليار دولار فيما جرى جمع 131 مليون دولار فقط.

ورغم قساوة الوضع الراهن، إلا أن اليأس لم يجد طريقه إلى المتطوعين الذين يقدمون الطعام للنازحين في الفاشر حيث قال أحدهم: “سنستمر في التحدث إلى المنظمات الإنسانية وغير الحكومية ونأمل في استئناف التمويل قريبا”.

المصدر: دي دبليو