يرى البعض أن العقد الذي وقعه العراق من أجل إستيراد الغاز الإيراني استمرار لنزف العملة الصعبة وبقاء البلاد رهينة «التقلبات» الإيرانية… هل حان وقت الإكتفاء الذاتي؟

بعدما وصفت اتجاهات «متشائمة» العقد الذي وقعه العراق الأسبوع الماضي من أجل استيراد الغاز الإيراني لتوليد الطاقة الكهربائية، بأنه استمرار لنزف العملة الصعبة وبقاء البلاد رهينة «التقلبات» الإيرانية، قالت مصادر رسمية إن بغداد يمكنها الاكتفاء ذاتياً من حاجتها إلى النفط والغاز خلال السنوات القريبة المقبلة.

ومن بين ما يعنيه توقيع العقد الجديد، بقاء العراق ضمن لائحة أكثر عشر دول في العالم لجهة إنفاقها على دعم الطاقة الأولية؛ حيث ينفق نحو 25 مليار دولار سنوياً، تذهب منها نحو 6 مليارات لاستيراد الغاز الإيراني، بحسب وزارة الكهرباء التي قالت، الأربعاء الماضي، إن وزيرها زياد علي فاضل «وقّع عقد توريد الغاز مع شركة الغاز الوطنية الإيرانية لمدة 5 سنوات، وبمعدلات ضخ تصل إلى 50 مليون متر مكعب يومياً». وتتفاوت كميات الغاز المستورد، وفقاً للبيان، بحسب حاجة المنظومة لصالح إدامة زخم عمل محطات الإنتاج، ومواكبة ذروة الأحمال والطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية.

وبدأت عملية استيراد الغاز الإيراني منذ نحو 8 سنوات بمتوسط 25 مليون متر مكعب يومياً. وغالباً ما يصيب التلكؤ عمليات الاستيراد في فصل الصيف ما يؤدي إلى تراجع إنتاج الطاقة في العراق إلى معدلات عالية وتتسبب في مشكلات كبيرة للحكومة نتيجة حالة التذمر الشعبي والاحتجاجات التي رافقت تلك الحالة في سنوات غير قليلة.

ويستورد العراق الغاز من خطوط الأنابيب التي تدخل أراضيه في محافظتي البصرة وديالى المحاذيتين لإيران، ويذهب الغاز إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية في عدة محافظات.

وأشارت وزارة الكهرباء في بيانها، إلى أن التوقيع الجديد «يهدف إلى إدامة زخم عمل محطات الإنتاج، ومواكبة ذروة الأحمال والطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، ريثما يكتمل تأهيل حقول الغاز الوطنية وسد حاجة الكهرباء».

وغالباً ما تواجه عملية تسديد العراق ما يترتب من أموال استيراد الغاز الإيراني المقدرة بنحو 11 مليار دولار صعوبات عديدة نتيجة العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن ضد طهران، ودرجت الولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات على منح بغداد إعفاءات لدفع بعض مستحقات إيران المالية. وكان آخر إعفاء منحته لبغداد في شهر مارس (آذار) الماضي.

وتعتمد عملية تسديد ديون العراق المستحقة لإيران على قيام الأخيرة بـ«ترشيح الشركات لتحميل المنتجات المكررة من المصافي العراقية، وعندما تباع تلك المنتجات، يدفع المشترون لإيران بدلاً من العراق، ويتم خصم المبالغ من ديون العراق»، بحسب أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي، وهذا الترتيب ناجم عن «عدم قدرة العراق على البيع مباشرة إلى إيران التزاماً بالعقوبات الأميركية ضدها».

ويقول المتحدث باسم وزارة النفط العراقية، عاصم جهاد، إن عقد الخمسين مليون متر الذي أعلنت عنه وزارة الكهرباء مع الجانب الإيراني يعادل نحو 1200 مليون قدم مكعبة قياسية، ما يعادل نحو 40 في المائة من حاجة العراق للغاز.

ويؤكد جهاد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «العراق ينتج 1500 مليون قدم مكعبة قياسية وتمثل نحو 60 في المائة من حاجة البلاد».

ورداً على الانتقادات التي تواجهها الحكومات العراقية منذ سنوات بشأن إخفاقها في إنتاج الغاز مع تربع العراق على قمة الدول المنتجة للنفط، يقول جهاد إن «الغاز الموجود هو ذلك المصاحب لعمليات استخراج النفط، وليس لدينا مكامن غازية في باطن الأرض مثلما هو موجود في قطر مثلاً… وتتناسب عملية استخراج الغاز لدينا مع حجم النفط المتخرج، بمعنى لو زادت كمية النفط على سقفها الحالي المقدر بنحو 4 ملايين فسيتضاعف حجم إنتاج الغاز».

ويرى جهاد أن عملية استيراد الغاز من إيران تناسب العراق، بالنظر «لقرب المسافة بين البلدين وهذا يسهل العملية ويقلل من تكاليف النقل، ثم إن معظم دول جوار العراق ليس لديها غاز».

ويؤكد أن العراق سيكون قادراً في السنوات المقبلة على الاكتفاء ذاتياً من الغاز، خاصة مع العقود الكثيرة التي قامت وزارة النفط بإبرامها خلال السنوات الأخيرة، «وستضيف جولة التراخيص الخامسة التي وقعت العام الماضي 1000 مليون قدم مكعبة قياسية، ولدينا أيضاً جولة المحلق، وستركز الجولة السادسة التي تركز على مناطق الموصل والأنبار التي تحتل مساحة واسعة من توقعات وجود الغاز كميات إضافية من الإنتاج الغازي».

وكان رئيس الوزراء محمد السوداني، قال خلال توقيع جولة التراخيص الخامسة في فبراير (شباط) 2023، إن بلاده «ستصل إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز خلال 3 سنوات».

ووقعت وزارة النفط، أول من أمس، مذكرة تفاهم مع شركتي «سيمنز إنرجي» و«شلمبرغير» لاستثمار وإيقاف حرق الغاز من الحقول النفطية ضمن الخطة المعجلة للوزارة، وتحويله إلى طاقة منتجة ومفيدة لرفد محطات توليد الطاقة الكهربائية والشبكة الوطنية، بحسب بيان صادر.

وقال نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط السيد حيان عبد الغني خلال حفل التوقيع، إن «الوزارة تهدف من خلال هذه المذكرة والعقود الملحقة بها إلى تنفيذ الخطة المعجلة لاستثمار ومعالجة كميات الغاز من الحقول النفطية».

المصدر: وكالات