النيجر بعد يوم من الانقلاب.. الجيش يؤيد ومتظاهرون يقتحمون مقر الحزب الحاكم وتحذير من أي تدخل خارجي

تتسارع التطورات في النيجر بعد إعلان قوات “الدفاع والأمن” الإطاحة بالرئيس محمد بازوم وتشكيل قيادة جديدة للبلاد، وسط تنديد دولي ودعوات للإفراج عن الرئيس وإنهاء الانقلاب.

فقد أعلنت قيادة الجيش مباركتها للخطوة التي قامت بها المجموعة التي أطاحت بالرئيس، وأكدت في بيانها -الصادر اليوم الخميس بتوقيع رئيس الأركان عبده صدّيق عيسى- أنها تقف إلى جانب قوات “الدفاع والأمن” تجنبا للاقتتال وحفاظا على تماسك البلاد.

وحذر الجيش في بيانه من أن أي تدخل عسكري خارجي “قد يؤدي لعواقب وخيمة لا يمكن السيطرة عليها”، داعيا جميع قوات “الدفاع والأمن” إلى التركيز على مهامها لمكافحة الإرهاب والجريمة، وفقا للبيان.

وأشار البيان إلى أن البلاد تعاني من انعدام الأمن في ظل وجود “الجماعات الإرهابية المسلحة وجماعات الجريمة المنظمة الأخرى”.
“الرئيس بخير”

وبشأن الوضعية الحالية للرئيس محمد بازوم بعد الإطاحة به؛ ذكرت وكالة الإعلام الروسية نقلا عن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي قوله إنه تحدث اليوم الخميس إلى رئيس النيجر محمد بازوم الذي قال جنود من الحرس الرئاسي إنهم أطاحوا به.

وقال فقي على هامش القمة الروسية الأفريقية التي تنعقد في سان بطرسبرغ “إنه في وضع جيد للغاية، وقد تحدثت معه اليوم، وهو بخير”.

أعلام روسية في المظاهرات

وتجمّع مئات من أنصار الانقلاب أمام الجمعية الوطنية في العاصمة نيامي وهم يعزفون موسيقى مؤيدة للجيش تحت سماء ملبدة بالغيوم خلفتها أمطار غزيرة في الصباح، ولوّح البعض بعلم روسيا ورددوا شعارات معادية لفرنسا، في صدى لموجة متزايدة من الاستياء تجاه القوة الاستعمارية السابقة ونفوذها في منطقة الساحل.

ونهب مؤيدون للانقلاب عسكري مقر الحزب الحاكم في العاصمة نيامي وأضرموا فيه النيران اليوم الخميس، بعد أن أعلنت قيادة الجيش دعمها للانقلاب الذي نفذه جنود من الحرس الرئاسي.

وقد نشر نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو مما قالوا إنه اقتحام لمقر الحزب الحاكم في النيجر وإحراق إطارات في محيطه.

وفي وقت سابق، شارك مئات من مواطني النيجر في مظاهرات مؤيدة لرئيس البلاد محمد بازوم المحتجز داخل القصر الرئاسي.

وطالب المتظاهرون -الذين تجمعوا أمام القصر الرئاسي وسط العاصمة نيامي- بالإفراج الفوري عن الرئيس، فيما رد الحرس الرئاسي بإطلاق الرصاص في الهواء بعد محاولة عدد من المتظاهرين الاقتراب من أسوار القصر.
طائرة فرنسية بمطار نيامي

وفي تطور آخر، قال العقيد في جيش النيجر أمادو عبد الرحمن للتلفزيون الرسمي إن طائرة عسكرية فرنسية هبطت صباح اليوم الخميس في النيجر رغم إغلاق المجال الجوي بعد إعلان انقلاب عسكري الليلة الماضية، ولم ترد أي من وزارتي الخارجية والدفاع الفرنسيتين ولا الجيش الفرنسي بعد على طلبات للتعليق بشأن هذا الموضوع.

وكان المجلس العسكري قد أعلن تعليق العمل في كل المؤسسات وإغلاق الحدود البرية والجوية وفرض حظر تجول من الساعة العاشرة مساء حتى الخامسة صباحا.

وتعد النيجر أحد آخر حلفاء الدول الغربية في منطقة الساحل التي يجتاحها عنف الحركات المسلحة، فيما تحولت اثنتان من جاراتها هما مالي وبوركينا فاسو بقيادة عسكريين إلى شركاء آخرين، من بينهم روسيا.

كما تعد النيجر “شريكا مميزا” بالذات لفرنسا في الساحل، حيث تحتضن نحو 15 ألف جندي فرنسي.

ولم تكشف المجموعة بشكل واضح عن هوية قائدها، لكن العقيد أمادو عبد الرحمن -الذي تلا أمس الأربعاء بيان عزل الرئيس- ظهر اليوم مجددا عبر التلفزيون الوطني ليعلن تعليق أنشطة الأحزاب السياسية في البلاد حتى إشعار آخر.

وكان عبد الرحمن قد أعلن أمس الأربعاء في البيان الأول عبر التلفزيون الوطني -وحوله مجموعة من العسكريين- أنهم قرروا وضع حد للنظام الحالي بعد “تدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة الاقتصادية في البلاد”.
موقف الرئيس المطاح به

وفي أول تعليق له عقب إعلان عزله عن السلطة، قال بازوم عبر حسابه على منصة إكس (تويتر سابقا) إن “المكاسب التي تم تحقيقها بشق الأنفس سوف يحميها المواطنون الذين يؤمنون بالحرية والديمقراطية”، حسب تعبيره.

من جهته، أعلن وزير خارجية النيجر حسومي مسعودو نفسه رئيسا مؤقتا للحكومة، وقال إن “الانقلابيين يحاولون التشكيك في الحريات والديمقراطية”.

وأضاف أن ما وصفها بـ”المغامرة ذات الأهداف الكارثية” ستفشل “لأنها ستواجه بالرفض من الديمقراطيين في البلاد”، ودعا “جميع الديمقراطيين والوطنيين إلى إفشال هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر”، حسب تعبيره.

تنديد دولي ومطالب بالإفراج عن الرئيس

وفي ردود الفعل الخارجية، طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم الخميس الذين يحتجزون رئيس النيجر بالإفراج عنه “على الفور ودون شروط”، وقال غوتيريش للصحفيين “توقفوا عن عرقلة الحكم الديمقراطي بالبلاد واحترموا سيادة القانون”.

وقال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك في بيان “يجب بذل كل الجهود لإعادة النظام الدستوري وحكم القانون، يجب الإفراج فورا ومن دون شروط عن الرئيس محمد بازوم وضمان أمنه”.

وبدورها استنكرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) استيلاء الجيش على السلطة في النيجر، وحثت على تحرير محمد بازوم، الذي تقول إنه لا يزال الرئيس الشرعي للبلاد.

كما استنكر رئيس المفوضية الأفريقية موسى فكي ما يحدث في النيجر، وقال إنه يرقى إلى محاولة انقلاب، وإنه يهدد المؤسسات الديمقراطية هناك.

ووصف فكي ما قامت به قوات من الحرس الرئاسي بالخيانة، ودعاها إلى التوقف الفوري عما وصفه بالتصرف غير المقبول.

وبدورها، أعلنت دولة قطر أنها تتابع بقلق بالغ التطورات الحالية في جمهورية النيجر، داعية الأطراف كافة إلى تجنب التصعيد، وتغليب صوت الحكمة، وانتهاج الحوار لتجاوز الأزمة في البلاد.

وفي تلك الأثناء، أعربت الخارجية السعودية عن رفضها التام لمحاولة الانقلاب، مطالبة بالإفراج عن بازوم وتمكينه من استعادة صلاحياته الدستورية والحفاظ على صحته وسلامته.

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الوزير أنتوني بلينكن عبر عن “الدعم الأميركي الراسخ” في اتصال هاتفي أمس الأربعاء مع رئيس النيجر محمد بازوم.

وأضافت الوزارة أن بلينكن شدد “على أن الشراكة الاقتصادية والأمنية القوية بين الولايات المتحدة والنيجر تعتمد على استمرار الحكم الديمقراطي واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان”.

بدوره، قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إنه تحدث مع رئيس النيجر وأكد له دعم الاتحاد الأوروبي الكامل.

وأدان ميشال بشدة أي محاولة لزعزعة استقرار النيجر، معلنا عن تأييد بيانات الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بشأن الوضع في البلاد.

بدورها، قالت الناطقة باسم الدائرة الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي نبيلة مصرالي اليوم الخميس إن “الاتحاد الأوروبي يطالب بالإفراج الفوري عن الرئيس بازوم وعائلته”، مشددة على أن الدول الأعضاء مستعدة للمشاركة في الجهود المبذولة “لإيجاد حل سلمي لمحاولة الانقلاب هذه”.

وفي السياق نفسه، أعلنت الخارجية الألمانية أنها تراقب الأحداث في النيجر بقلق بالغ، وتدعو للإفراج عن رئيس البلاد فورا.

من جانبه، قال رئيس جزر القمر الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي غزالي عثماني خلال قمة سان بطرسبورغ إن الاتحاد يدين بشدة “التمرد في النيجر ويطالب بالإفراج الفوري عن الرئيس”.

الموقف الروسي

من جهة أخرى، قال الكرملين إن الأوضاع في النيجر ستناقش خلال القمة الروسية الأفريقية التي انطلقت اليوم الخميس في مدينة سان بطرسبورغ، مؤكدا أنه “لا يمكن تجاهل هذه الأحداث”.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم الخميس إنه يتعين عودة النظام الدستوري في النيجر بعد الانقلاب العسكري الذي وقع أمس الأربعاء، حسبما نقلت عنه وكالة تاس للأنباء.

كما حثت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا جيش النيجر على الإفراج عن بازوم، كما دعت جميع الأطراف إلى الامتناع عن استخدام القوة واعتماد الحوار لحل الخلافات سلميا.

ومع التكهنات والتحليلات التي تتوقع وجود دور لروسيا في انقلاب النيجر؛ قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير اليوم الخميس إن الولايات المتحدة لا ترى أي مؤشرات يعتد بها على تورط روسيا أو قوات مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في الانقلاب بدولة النيجر.

وأضافت للصحفيين في إفادة أن واشنطن تحث المواطنين الأميركيين في النيجر على توخي الحذر.
الأمم المتحدة تعلق عملياتها بالنيجر

وفي تطور آخر، أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك اليوم الخميس “تعليق” العمليات الإنسانية للمنظمة في النيجر بسبب الانقلاب، علما بأن البلد المذكور يواجه وضعا إنسانيا “معقدا”.

وأفاد مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا) أن عدد من يحتاجون إلى مساعدة إنسانية في النيجر ارتفع من 1.9 مليون إلى 4.3 ملايين شخص في 2023، فيما يتوقع أن يبلغ عدد ضحايا انعدام الأمن الغذائي الحاد ثلاثة ملايين شخص بين يونيو/حزيران، وأغسطس/آب قبل الحصاد المقبل.

المصدر: الجزيرة