تونس: الحكومة المقبلة «نهضوية» والغنوشي أحد المرشّحين لرئاستها

تونس – «القدس العربي»: حسمت حركة النهضة قرارها حول الحكومة المقبلة، مشيرة إلى أن رئيس الحكومة سيكون من داخل الحركة، كما كشفت عن تكليف رئيسها، راشد الغنوشي، بالتفاوض مع بقية الأطراف السياسية لإقناعها بالمشاركة في الحكومة، فيما نفى حزب قلب تونس أخباراً تحدثت عن استقالة عدد كبير من نوابه والتحاقهم بحزب رئيس الحكومة، الذي سرت شائعات عن احتمال تحالفه مع النهضة لتشكيل الحكومة المقبلة.
وأصدر مجلس شورى الحركة، أمس الأحد، بياناً أكد فيه «قراره تحمل الحركة مسؤولية تشكيل الحكومة وترؤسها وسعيها إلى تعميق الحوار مع مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين على قاعدة برنامج يضمن لها حزاماً سياسيّاً واسعاً، والسعي إلى وضع برنامج مع شركاء الحركة يتضمن التوجهات الكبرى لعمل الحكومة والإجراءات في الآماد العاجلة والمتوسطة للرفع من فاعلية المؤسسات الحكومية وتحسين الخدمات العمومية وتفعيل المشاريع المعطّلة وإنفاذ القوانين»، مؤكداً التزام الحركة «بوعودها الانتخابية وتلقّيها لمجموع المطالب الاجتماعية وانحيازها للعدالة الاجتماعية، بما يرسّخ الاقتصاد الاجتماعي التضامني ومقاومة الفقر والبطالة والفساد والتصدي للإرهاب والجريمة بمختلف أنواعها».

لجنة توضع برنامج الحكومة

وكشف عبد الكريم الهاروني، رئيس مجلس شورى الحركة، في مؤتمر صحافي في العاصمة، عن تشكيل لجنة تتكون من أعضاء من مجلس الشورى والمكتب التنفيذي للحركة، ويترأسها راشد الغنوشي، ستجري مشاورات جدية مع الأحزاب والكتل البرلمانية والمنظمات الوطنية حول برنامج محدد يتم تشكيل الحكومة المقبلة على أساسه.
فيما أشار الغنوشي إلى احتمال ترؤسه للحكومة المقبلة، مشيراً إلى أن حزب تحيا تونس (حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد) من الأحزاب المرشحة للمشاركة في الحكومة المقبلة.
ورحب مراقبون بتكليف الغنوشي برئاسة الحكومة المقبلة، حيث دوّن الباحث والمحلل السياسي د. رياض الشعيبي: «لتتغير قوانين اللعبة؛ لم لا نرى الشيخ راشد الغنوشي رئيساً للحكومة التونسية؟».
فيما دعا آخرون إلى اختيار شخصية أخرى من دخل النهضة لرئاسة الحكومة المقبلة، حيث دوّن الناشط بشير الترهوني: «الأستاذ راشد الغنوشي بحكم عوامل متعددة ليس هو الرجل المناسب لرئاسة الحكومة، لا من القدح في إمكاناته العقلية وقدراته السياسية، فقد بينت الأحداث والسنون الماضية باعه الطويل في هذا المجال، ولكن الرجل قد بلغ من العمر عتياً، وخيار البلد كما جاء في الرسائل الأخيرة ينحو نحو التشييب والتجديد ويطالب بالتداول على السلطة الحزبية والوطنية بعد أن نفض يديه من الزعامات التقليدية من مختلف الأحزاب، ولذلك جاء برئيس مفارق للحزبية والانتماء الضيق».
من جانب آخر، تحدث مراقبون عن استقالة عدد كبير من النواب من حزب قلب تونس (الحزب الثاني في البرلمان) والتحاقهم بحزب تحيا تونس، حيث دوّن المحلل السياسي، بولبابة سالم: «انطلاق عملية القفز بالزانة من مركب قلب تونس نحو سفينة تحيا تونس وكتلة الشاهد تتوسع نحو 25 نائباً».
وأضاف أحد النشطاء: «قد يصبح تحيا تونس الحزب الثاني بعد هروب العديد من نواب قلب تونس. وستشكل الحكومة بأريحية. ولا حاجة للنهضة لا لحركة الشعب ولا التيار. وسيصادق أغلب النواب وسيتمردون على أحزابهم».
إلا أن حزب قلب تونس نفى هذه الأنباء، حيث أكد في بلاغ أصدره، الأحد، أن «كتلة نوّاب الشعب المنتمين لحزب قلب تونس كاملة متماسكة ومتمسّكة بانتمائها الحزبيّ ومتشبّثة ببرامجه ومواقفه. وهذه الإشاعات غير مواصلة لأشكال الضغط والتشويه التي طالت حزبنا على امتداد شهور، وهي جزء من الحرب النفسيّة التي تعوّدناها من خصوم ساهموا في تسميم الأوضاع في الساحة السياسيّة وجعلوا من السياحة الحزبية وتفكيك الأحزاب مشروعهم الوحيد، وكانوا وراء عزوف نسبة كبيرة من شعبنا عن العمل الحزبيّ والانخراط في الشّأن العامّ».
وتابع البيان: «إنّ تصاعد وتيرة الإشاعات الآن بالذّات مرتبط أساساً بمأزق تشكيل الحكومة وترتيب التحالفات، وفي هذا الباب يذكّر حزب قلب تونس بأنّه غير معنيّ بالمحاصصات الحزبيّة، وأنّه لا يتعامل أبداً مع مستقبل البلاد بمنطق الغنيمة، وفي المقابل فإنّه لن يخضع لأيّ شكل من أشكال الضغط، وأنّه متمسّك بأنّ الشرط الرّئيسيّ للمشاركة في أيّ تشكيل للحكومة هو مدى تناسبه مع برنامج الحزب وأولويّاته ومبادئه»، داعياً «كل الأطراف المتدخلة في الشأن السياسي إلى احترام مبادئ اللعبة الديمقراطية والأخلاق السياسية والانكباب على خدمة المواطنات والمواطنين وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية».

ضغوط لها معنيين

وعلّق الباحث نور الدين العلوي على هذا الأمر بقوله: «ما نراه الآن من ضغوط ومناورات يحتمل معنيين: رفع سقوف التفاوض مع النهضة، وهذا مرحب به ومقبول شعبيًا من أجل حكومة مستقرة ومبنية على برنامج، ولكن المعنى الثاني هو الفشل المخيم. إذا فشل الجميع في بناء حكومة قادرة على البقاء، فإن ذلك يقرب سيناريو إعادة الانتخابات في زمن قريب، وحينها سيعاد فرز جذري قد لا يخرج أي من هذه الأحزاب بالحجم الذي فاز به الآن، فالحسم الشعبي سيكون قاسيًا، وسيفرز خريطة سياسية جديدة بلا أحزاب فاعلة ولا نرى في هذا إلا فوضى قادمة ربما لن يتقن حتى الرئيس توجيهها نحو صواب ما».
وأضاف، في تدوينة على موقع «فيسبوك»: «التفاوض مطلوب والتنازلات مطلوبة، ومصلحة شعب يعيش أزمة اقتصادية يجب أن تكون فوق التنافس الطفولي الذي نرى عليه علامات مؤذية. فهل سيفلح التونسيون في إحداث معجزة أخرى تشبه معجزة تفكيك منظومة بن علي بواسطة الصندوق الانتخابي دون بنادق، أم سيقعون في النفوس السياسية الصغيرة التي أفرز الصندوق بعضها فبدأ حملة دلال سياسي؟ نطرح الأسئلة ونراقب التفاوض العسير».
وكان حزب التيار الديمقراطي (22 نائباً) وحركة الشعب (16 نائباً) وضعا عدداً من «الشروط» للمشاركة في الحكومة المقبلة، يأتي في مقدمتها تشكيل حكومة كفاءات وطنية، وتخلي حركة النهضة عن بعض الوزارات السيادية كالداخلية والعدل.

المصدر: القدس العربي