حرب 2006 كبّدته أكثر من 7.5 مليارت دولار… لبنان المنهار اقتصادياً عاجز عن تحمل تبعات حرب جديدة

JUNIEH, LEBANON -- AUGUST 4: Cars are stopped at a collapsed bridge, a casualty of Israeli airstrikes that destroyed four key highway bridges August 4, 2006 north of Beirut at Junieh, Lebanon. The UN and aid agencies say that the strikes have cut the last overland relief route from Syria in this, the fourth week of fighting between Israel and Hezbollah guerrillas that has left 900 mostly civilians dead and wrecked an economy dependent on tourism. (Photo by Scott Peterson / Getty Images)

يعيش اللبنانيون الذين يمرون بإحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم، حالة قلق عارمة جراء الخوف من أن يجرهم «حزب الله» إلى حرب جديدة مع إسرائيل، خصوصاً أن التداعيات الكارثية لحرب يوليو (تموز) 2006 لا تزال حية في أذهان كثيرين منهم.
وصعّد «حزب الله» وتنظيمات تابعة وحليفة له من استهداف مواقع إسرائيلية منذ اندلاع المواجهة بين حركة «حماس» وإسرائيل في قطاع غزة، وكانت قد حذرت تل أبيب الحزب من «خراب لا يمكن تصوره» عليه وعلى لبنان، إذا قرر الانضمام إلى الحرب.
ويُجمع خبراء ومحللون على عدم قدرة لبنان على تحمّل حرب جديدة فيما يغرق في أزمة اقتصادية ونقدية ومالية مركّبة وعميقة تفاقمت بفعل تحلل مؤسساته، وسط فراغ في رئاسة الجمهورية منذ أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي وحكومة شبه مشلولة وفراغ في موقع نقدي حساس هو حاكمية مصرف لبنان (البنك المركزي).

وفي وقت استفحلت مستويات الفقر -حيث إنّ 3 من أصل 5 أُسَر يعدّون أنفسهم اليوم إمّا فقراء وإمّا فقراء جدّاً- قال مصدر مالي في بيروت لـ«الشرق الأوسط» إن «الشلل السياسي الحالي لا يسمح للاقتصاد اللبناني بأي فرصة للتعافي، ولهذا يخشى لبنان من تفاقم الوضع في حالة نشوب الحرب».
وأضاف أن «لبنان يعاني منذ أربع سنوات تقريباً انهياراً اقتصادياً تسبب في تدهور عملته المحلية وفقدانها نحو 98 في المائة من قيمتها، في وقت سجل الناتج المحلي الإجمالي انكماشاً بنسبة فاقت 40 في المائة، ودفع التضخم إلى ثلاثة أرقام واستنزف ثلثي احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية».
وبعدما كان الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 51 مليار دولار في عام 2019، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، انخفض إلى نحو 16 مليار دولار. فيما ارتفع التضخم بشكل جنوني من 7 في المائة في عام 2019 إلى أكثر من 250 في المائة هذا العام، ليكون لبنان واحداً من بين الأعلى عالمياً في معدلات التضخم.
أما احتياطيات المصرف المركزي، ففقدت نحو 25 مليار دولار بفعل محاولات التدخل لمنع تدهور الليرة ونتيجة لسياسة دعم غير مدروسة لتصل اليوم إلى نحو 8.6 مليار دولار من 33.6 مليار في عام 2019 (وهي أرقام مستثناة منها محفظة مصرف لبنان من سندات «يوروبوندز» التي كان المصرف المركزي يحتسبها بقيمة 5.03 مليار دولار).
ويضاف إلى هذا كله أن لبنان يعاني انهياراً في قطاعه الصحي، إذ يعجز عن توفير أدنى مقومات الرعاية الصحية، وإن أعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، منذ أيام عن إجراءات لرفع جاهزية القطاع تحسباً لأي تصعيد عسكري. فموازنة وزارة الصحة لم تتعدَّ 35 مليون دولار فيما كانت تبلغ نحو 400 مليون دولار قبل الأزمة في 2019. في حين يواجه القطاع هجرة كوادر ومشكلات عميقة تتعلق بالأدوية والمستلزمات.
ويفاقم الوضع سوءاً أن لبنان يستضيف نحو مليوني نازح وسط أزمته الاقتصادية الحادة.
خسائر «لو كنت أعلم»

في 19 يوليو (تموز) 2005، تشكلت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة (استمرت حتى 11 يوليو 2008)، بهدف استيعاب تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري على لبنان واقتصاده، وإعادة التوازن الى المالية العامة.
كانت حكومة السنيورة تعوّل على موسم سياحي واعد في إطار مساعيها لرفع معدلات النمو الذي توقعت أن يتراوح بين 4 في المائة و5 في المائة. كما كانت تسعى لتعزيز المؤشرات الاجتماعية وخلق فرص عمل.
لكن «حزب الله» فاجأ الجميع بخطف جنديين إسرائيليين في يوليو 2006، ما دفع إسرائيل إلى شن حرب مدمرة على لبنان تسببت بمقتل أكثر من 1200 شخص وجرح نحو 4400 ألف آخرين وفرار نحو مليون لبناني من منازلهم، أي ما يقرب من ربع السكان.
لقد كانت خسائر «لو كنت أعلم» (وهو كان تبرير الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله بعد الدمار الذي تسببت به الحرب) باهظة اقتصادياً ومالياً.
تخطت تكلفة هذه الحرب التي دامت 34 يوماً 7 مليارات دولار، منها 3.6 مليار خسائر مباشرة بفعل تدمير البنى التحتية من طرق وكهرباء واتصالات وجسور ومدارج المطار والمصانع ومنشآت عسكرية ومستشفيات ومدارس، وخسائر طالت الناتج المحلي ووصلت إلى حدود 2.4 مليار دولار

كما كان للحرب تأثير سلبي على الوضع المالي في لبنان، إذ تسببت في انخفاض الإيرادات العامة وزيادة النفقات العامة.
وأشارت وزارة المالية إلى أن الحرب كبَّدت المالية العامة نحو 1.5 مليار دولار في ذاك العام، ما زاد الدين العام إلى نحو 41 مليار دولار بحلول نهاية 2006. وشبهت الخسائر بتلك التي تكبّدها لبنان خلال الحرب الأهلية 1975-1990. كما طالت شظايا الحرب الاستثمارات الخارجية، إذ بدّلت مزاج المستثمر، من شريك في العملية الاقتصادية إلى مستثمر يبغى الربح المباشر السريع.
وفاقمت الحرب من مستوى البطالة في لبنان. ففي القطاع الصناعي وحده مثلاً، فقد نحو 12 ألف عامل وظائفهم لأن شركاتهم إمّا دُمِّرت وإمّا توقفت عن العمل. في حين فقد المزيد وظائفهم بسبب الانكماش الاقتصادي الحاد.

المصدر: وكالات