روسيا تمنع مجلس الأمن من إجازة الممرات الإنسانية وحماية مدنيي أوكرانيا

أكدت الأمم المتحدة أنها غير قادرة على تلبية حاجات ملايين المدنيين المحاصرين داخل أوكرانيا، داعية موسكو إلى توفير ممرات آمنة للناس وإيصال الإمدادات الإنسانية إلى مناطق القتال، وفقاً لاقتراح فرنسي – مكسيكي لإصدار قرار في مجلس الأمن، لكنه يواجه اعتراضات رئيسية من المفاوضين الروس. وبطلب من الولايات المتحدة وألبانيا وبدعم من بريطانيا وآيرلندا والنرويج، عقد مجلس الأمن جلسة علنية مساء الاثنين، لمناقشة الأوضاع الإنسانية المتردية في مناطق سكنية واسعة، لا سيما تلك التي تشهد قتالاً ضارياً وعمليات حربية مكثفة في ظل سعي القوات الروسية إلى التقدم ومحاصرة المدن الكبرى، بما في ذلك العاصمة كييف. وكذلك اجتمع أعضاء المجلس في جلسة مغلقة ليلاً بطلب من فرنسا والمكسيك لمناقشة مشروع قرار يهدف إلى إجازة إقامة ممرات آمنة وحماية للمدنيين. ويواجه النص الذي أعدته باريس اعتراضات رئيسية من روسيا التي تحظى بحق النقض (الفيتو).

ومع ارتفاع عدد اللاجئين إلى أكثر من مليوني شخص بعد أسبوعين من بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، استمع أعضاء المجلس إلى إفادة من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة مارتن غريفيث الذي أفاد بأن مدناً مثل كييف وماريوبول وخاركيف ومتروبول بحاجة ماسة إلى المساعدة. وقال: «لا نخطئ، نحن غير قادرين على تلبية حاجات المدنيين اليوم»، علماً بأن الأمم المتحدة وشركاءها قدموا الغذاء لمئات الآلاف من الناس، مضيفاً أن برنامج الغذاء العالمي يعتزم إنشاء عمليات سلسلة التوريد لتقديم المساعدات الغذائية والنقدية الفورية إلى ما بين ثلاثة ملايين وخمسة ملايين شخص داخل أوكرانيا. وطالب الأطراف بأن «تحرص باستمرار على تجنيب المدنيين ومنازل المدنيين والبنية التحتية في عملياتها العسكرية»، على أن يشمل ذلك «السماح بمرور آمن للمدنيين لمغادرة مناطق القتال الفعلي على أساس طوعي في الاتجاه الذي يختارونه»، داعياً في الوقت ذاته إلى إقامة «ممر آمن للإمدادات الإنسانية إلى مناطق الأعمال العدائية النشطة». وأكد أن «ثمة حاجة ماسة إلى نظام تواصل مستمر مع أطراف النزاع وضمانات لتمكين إيصال المساعدات الإنسانية»، موضحاً أنه أرسل فريقاً إلى موسكو للعمل على «تنسيق إنساني مدني – عسكري أفضل يمكن أن يسمح لنا بتوسيع النطاق». ولفت إلى أن «الطواقم الإنسانية كانت تعمل في منطقة دونباس لتزويد 1.5 مليون شخص بالمساعدات الإنسانية».

وكذلك استمع إلى إحاطة من المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) كاثرين راسيل، التي وصفت ما يحدث للأطفال في أوكرانيا بأنه «انتهاك أخلاقي»، مضيفة: «يجب أن تصدم صور أم وطفليْها وصديق لهم – راقدين في الشارع بعد إصابتهم بقذيفة هاون أثناء محاولتهم الفرار إلى بر الأمان – ضمير العالم. يجب علينا العمل لحماية الأطفال من هذه الوحشية». وعبرت عن «القلق البالغ من الهجمات على البنية التحتية المدنية اللازمة لمساعدة الأطفال في تجاوز هذا الصراع، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومرافق المياه والصرف الصحي والبنية التحتية الحيوية للطاقة». كما ناشدت كل الأطراف «تجنب استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، بما في ذلك الذخائر العنقودية، التي تشكل أكبر خطر يلحق الأذى بالأطفال».

ومع تصاعد النزاع، نما التهديد الفوري والحقيقي الشديد الذي يتهدد 7.5 مليون طفل في أوكرانيا، حيث تعرضت المنازل والمدارس ودور الأيتام والمستشفيات للهجوم. وتضررت البنية التحتية المدنية مثل مرافق المياه والصرف الصحي، ما ترك الملايين دون الحصول على المياه الصالحة للشرب.

وعبرت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، عن «الغضب» من التقارير المزدادة عن «هجمات موسكو التي تضر بالمدنيين الأوكرانيين في حربها غير المبررة ودون سابق استفزاز ضد الشعب الأوكراني». وقالت: «حولت الحرب التي اختارها الرئيس فلاديمير بوتين نصف مليون طفل إلى لاجئين». وإذ استشهدت بأرقام «اليونيسيف» التي من المتوقع أن تزيد بسبب العنف المستمر، «قُتل بالفعل عشرات الأطفال»، مشددة على أنه لا ينبغي أبداً إشراك الأطفال في النزاع. وأشارت إلى صور لكبار السن وهم يفرون، وإلى امرأة قتلت على كرسيها المتحرك، وإلى أطفال يموتون بين أحضان أمهاتهم، وإلى امرأة تنقل على عجل وهي تنزف إلى المستشفى، مستخلصة أن «لدى بوتين خطة لتدمير وترهيب أوكرانيا». وذكرت بأن واشنطن حذرت موسكو منذ أسابيع من أن «روسيا في نهاية المطاف ستكون أضعف ولن تكون أقوى بشن هذه الحرب».

وأشار نظيرها الفرنسي نيكولا دو ريفيير إلى اقتراح فرنسا والمكسيك لقرار يدعو إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية والاحترام الكامل للقانون الإنساني الدولي، قائلاً إنه «يجب السماح للأشخاص الذين يحاولون الفرار من أوكرانيا بالقيام بذلك بأمان ومن دون عوائق»، فضلاً عن أنه «يجب ضمان حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية في كل أنحاء البلاد». وطالب روسيا بـ«الامتثال لميثاق الأمم المتحدة واحترام القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان».

أما المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا فدعا إلى «توضيح الخطة الإنسانية للحقيقة الخطيرة المتمثلة في التوزيع الجماعي للأسلحة الخفيفة»، التي «يقع معظمها في أيدي عناصر متطرفة وأشخاص من ضمنهم من خرج أخيراً من السجون». ونفى أن تكون روسيا قصفت المدنيين في أوكرانيا، قائلاً إن «الراديكاليين الأوكرانيين والنازيين الجدد يأخذون المدن رهائن ويحوّلونها دروعاً بشرية ولا يسمحون للمدنيين بمغادرتها رغم وجود ممرات إنسانية ورغم إعلان روسيا عن وقف لإطلاق النار». وأكد أنه «في المدن الخاضعة لسيطرة روسيا، يعيش السكان بأمان ولديهم كل ما يحتاجون إليه، بما في ذلك المساعدات الإنسانية من روسيا». ورد عليه نظيره الأوكراني سيرغي كسليتسيا الذي قال إن «مئات المدن والقرى الأوكرانية، التي تعرضت للهجوم والحصار من قبل الدولة المعتدية، أصبحت اليوم على شفا كارثة إنسانية»، مضيفاً أنه «حتى الآن كانت أوكرانيا من الضامنين للأمن الغذائي العالمي. الآن يتم تحدي هذا الوضع من خلال الحرب الروسية ضد أوكرانيا. ستكون التداعيات على المستوى العالمي كارثية». وأشار إلى «توقعات من مجلس الأمن كي تكون استجابته حاسمة» فيما يتعلق «بأسوأ أزمة إنسانية تتكشف منذ الحرب العالمية الثانية». واتهم القوات الروسية بصدّ محاولات عديدة للسلطات الأوكرانية لإجلاء المدنيين عبر الممرات الإنسانية.

المصدر: الشرق الأوسط