شبح التوطين في سيناء يطل برأسه مجددا.. مشاريع قديمة تعيد إسرائيل طرحها لإفراغ قطاع غزة من الفلسطينيين

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر وحديث تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يحتل مساحات واسعة من النقاشات السياسية، سواء في الأراضي الفلسطينية أو في الدول المحيطة وخاصة مصر والأردن، أو على مستوى المنظمات والهيئات الدولية والأممية.

ما خلفية هذا الموضوع ولماذا تبدي مصر والأردن تحديدا مخاوف مصيرية تجاهه؟

يوم الأحد الماضي، دعا الجيش الإسرائيلي سكان أحياء عدة في مدينة خان يونس للمغادرة إلى جنوب قطاع غزة. وطالب الجيش في بيان نشر على منصة “إكس” سكان الأحياء المعنية في خان يونس بالتوجه نحو مناطق “مخيم الشابورة وتل السلطان والفخارى”، وهي مناطق في أقصى جنوبي القطاع قرب الحدود المصرية.

وطالت أوامر “التهجير” أحياء المحطة والكتيبة وحمد والسطر وبني سهيلا ومعن في خانيونس، التي صنفتها إسرائيل بأنها منطقة “أعمال حربية”. وسبق أن وجهت أوامر مماثلة لسكان مناطق خزاعة وبني سهيلا وعبسان والقرارة.

وأصدر الجيش الإسرائيلي أوامر مماثلة لسكان جباليا والشجاعية والزيتون والبلدة القديمة في غزة، ونشرت أرقام الأحياء السكنية المطلوب خروج السكان منها والتوجه إلى مراكز الإيواء والمدارس في أحياء الدرج والتفاح وغرب مدينة غزة.

وتسببت هذه الأوامر، بحركة نزوح جديدة شملت عشرات الآلاف من السكان المدنيين بعضهم اضطروا للنزوح أكثر من مرة من مكان لآخر، في وقت تنحسر فيه المساحات والأماكن التي يمكن اللجوء إليها.

أوامر إخلاء متتالية ومتزامنة

ويوم الأحد، اعتبرت عدة مؤسسات حقوقية فلسطينية أن الخطة الإسرائيلية في قطاع غزة هدفها تهجير سكان القطاع إلى خارج حدوده.

وحذر كل من “المركز الفلسطيني” و”مركز الميزان” و”مؤسسة الحق لحقوق الإنسان” في بيان مشترك من تداعيات تصعيد “عمليات التهجير القسري (الترانسفير)” بحق سكان قطاع غزة.

وبحسب بيان المنظمات الحقوقية، فإن قرارات الإخلاء التي وزعها الجيش الإسرائيلي تشمل أكثر من 200 ألف من السكان، إضافة إلى عشرات الآلاف من النازحين إلى هذه المناطق من شمال قطاع غزة. وأشار إلى أن أجزاء من “الخريطة التي نشرها الجيش الإسرائيلي (المناطق الآمنة) تضمنت في جنوبها جزءا من الأراضي المصرية حددها بلون معين وأسماها المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة”.

وشددت المؤسسات الحقوقية على أنه “لا يوجد مكان آمن في كل قطاع غزة، وأن أوامر الإخلاء الإسرائيلية لدفع مئات الآلاف من الفلسطينيين قسراً إلى رفح ونقلهم إلى أماكن قريبة من الحدود مع مصر يثير المخاوف من نكبة جديدة للفلسطينيين”.

خلفيات المخاوف

في 17 تشرين الأول/أكتوبر، حث معهد الأبحاث الإسرائيلي “مسغاف” للأمن القومي والدراسات الاستراتيجية، الحكومة الإسرائيلية في ورقة بحثية على اقتناص “الفرصة الفريدة والنادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله”، وإعادة توطين الفلسطينيين في مصر.

دعوة المركز لم تأت من فراغ، إذ سبقتها وثيقة مسربة من وزارة المخابرات الإسرائيلية توضح خطة لإعادة توطين الفلسطينيين قسرا في سيناء، وبناء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيلية لمنع عودتهم.

وأوصت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية، غيلا غملائيل، في الوثيقة بضرورة تهجير سكان غزة إلى سيناء عقب انتهاء الحرب. وبحسب صحيفة “كالكاليست” اليومية الإسرائيلية، تضمنت الوثيقة ثلاث مراحل، إنشاء مدن من خيام في سيناء جنوب غرب القطاع، وإنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان، وبناء مدن في منطقة شمال سيناء. فضلا عن ذلك، تدعو الوثيقة إلى إقامة منطقة محصنة لا يمكن للسكان الذين يتم إجلاؤهم إليها من العودة إلى القطاع.

ما أثار انتباه المتابعين ودعا العديد من الهيئات لدق ناقوس الخطر هو الجهود الأمريكية التي تعمل على حشد الدعم المالي والسياسي لتنفيذ المخطط الإسرائيلي. ففي 11 تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن بلاده تعمل مع مصر وإسرائيل لإنشاء “ممر إنساني” في سيناء للمدنيين الفلسطينيين الفارين من غزة. ثم في 20 أكتوبر/تشرين الأول، أرسل البيت الأبيض إلى الكونغرس طلب تمويل “لتلبية الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة”.

هذه الخطوة اعتبرها المتابعون بمثابة “ضوء أخضر” من إدارة بايدن لإسرائيل لتنفيذ عملية التهجير، على الرغم من تصريحات جو بايدن منذ ذلك الحين بمعارضته تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

تهجير الفلسطينيين وأمن مصر القومي

في خضم هذا كله، لم تعلن إسرائيل حتى الآن صراحة نيتها إخراج الفلسطينيين إلى مصر. لكن بمتابعة بسيطة لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، نقع على تصريح للمتحدث باسم الجيش، ريتشارد هيخت، بعد أيام قليلة من بدء الحرب “معبر رفح لا يزال مفتوحا (..) وأنصح أي شخص يمكنه الخروج بالقيام بذلك”.

أثار التصريح توجس القاهرة، التي اعتبرته تأكيد على نوايا تل أبيب إفراغ القطاع من سكانه. فبدأت حملة تحذيرية من مغبة الإقدام على هذه الخطوة، وصعدّت من موقفها الرافض لـ”خطة توطين الفلسطينيين من قطاع غزة في مصر”.

لكن في حال قررت الولايات المتحدة ممارسة الضغوط على مصر، فهل ستتمكن القاهرة من الصمود؟

في الوقت الذي تواجه فيه مصر أزمة اقتصادية شديدة، تحدثت تقارير عديدة عن عروض أمريكية مغرية لمصر، تتضمن حوافز اقتصادية مهمة، منها وربما على رأسها تصفير جزء من الديون. لكن مع هذا، ربما لن تتمكن مصر من تحمل تبعات موافقتها على المخطط المطروح، وستبقى على موقفها الرابط بين تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة و”أمنها القومي”.

“80% من سكان القطاع باتوا في الجنوب”

المخاوف المصرية أكدتها المتحدثة باسم المجلس النرويجي للاجئين شاينا لو، خلال حديث على قناة الجزيرة، حيث اعتبرت أن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة حاليا يؤكد نيتها تهجير السكان باتجاه شبه جزيرة سيناء المصرية.

وقالت لو إن “غزة تعيش كارثة إنسانية، 80% من السكان يسكنون في الجنوب بعدما طلبت منهم إسرائيل إخلاء شمالي القطاع”. وأضافت “اليوم يطالبونهم بالانتقال نحو رفح، وبعدها لن يكون أمامهم إلا الدخول إلى سيناء هربا من الضغط العسكري”.

وأوردت لو أنها مقتنعة بما جاء على صحيفة “يسرائيل هيوم” بشأن خطة حكومة بنيامين نتنياهو لتخفيف الكثافة السكانية للقطاع، قائلة “الأمر يبدو كذلك لأنه لا يوجد أي مكان آمن في غزة حاليا ويبدو أننا سنصل إلى نقطة يكون على الفلسطينيين الانتقال إلى سيناء هربا من الحرب”.

وكان فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، قد حذر في وقت سابق من أن القتال في جنوبي قطاع غزة “سيوفر احتمالية كبيرة بأنهم (الفلسطينيون) ربما يرغبون في الفرار إلى أقصى الجنوب وتخطي الحدود”.

وتشير تقديرات المؤسسات الإنسانية إلى أن نحو 1.9 مليون فلسطيني باتوا نازحين فعليا في قطاع غزة، وأن إسرائيل تواصل فرض القيود على إمدادات الغذاء والماء والكهرباء والوقود والدواء إلى حد كبير.

المصدر: مونت كارلو الدولية